جريدة القصر الكبير
المهندس خالد ابوعرفة / القدسوزير شؤون القدس السابق
17/3/2010
صحيحٌ ان القدس لم تكن يوماً عاصمة للخلافة الاسلامية .. أو حتىعاصمة لولاية الشام .. إلا ما كان من الخليفة هشام بن عبد الملك - رحمهالله - يوم اقترب الى القدس فجعل من مدينة "الرملة" مقراً لبعض دواوينالخلافة .. وصحيحٌ أن العديد من خلفاء الامة رغبوا أن تكون بيت المقدسعاصمة لهم .. ولم لا تكون وهي القبلة الاولى ، وثاني المسجدين ، وثالثالمساجد التي تشد إليها الرحال ؟! وربما حاول بعض الخلفاء أن يجعلوا منالقدس فعلاً عاصمة لهم .. لكنهم لم يوفقوا يوماً إلى هذا !! والسبب فيذلك : أن للقدس منذ كانت ، دورٌ عبر التاريخ .. ووظيفة ميزتها عن غيرهامن المدن .. ولم يكن هذا الدور وهذه الوظيفة لتقلل من قيمتها أو وزنها فيالاعتبار الشرعي أو المستوى الاستراتيجي أو الحجم السياسي .. بل كانتالقدس دوماً منفردة في ذلك كله .. وينطلق هذا الدور من إعطاء ساكني "بيت المقدس وأكنافها" : رجالهمونسائهم وإمائهم صفة "المرابطين" .. وهي صفة لم تعط أبداً لجمع آخرغيرهم ، بصفتهم شعباً ، وإنما تسمى بالرباط من تمترس على ثغر من ثغرالاسلام أو رابط في موقع من المواقع .. التي تحتاج لسهر وتيقظ دائمين ،وعادة ما يكون المقصود (الرباط على الحدود) ، ما بين المسلمين وأعدائهم ،أما أن تعطى صفة الرباط لشعب بأجمعه .. فهذا لم يحصل لغير شعب فلسطين ..أو كما كان يسمى في القديم "اهل الشام".. ومعهم أجزاءٌ من سوريا ولبنانوالاردن . وجاءت هذه المعاني في حديث دون درجة الصحيح فيما رواه الصحابيالجليل معاذ رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " يامعاذ .. إن الله سيفتح عليكم الشام من بعدي .. رجالهم ونساؤهم وإماؤهممرابطون إلى يوم القيامة .. فمن سكن ساحلاً من سواحل الشام أو(بيتالمقدس) فهو في جهاد في سبيل الله الى يوم القيامة " ، أو كما قال صلىالله عليه وسلم. وهنا وقفات لا بد منها : إذ أن الفتح كان مصدره المباشر"الله".. ومعلوم أن ما فتحه الله لا يغلق .. وعليه يكون احتلال الدوللبيت المقدس قديماً وحديثاً إنما هو من باب المرور الذي يتخلله بعضالمكوث . ثم تنبأ صلى الله عليه وسلم أنَ الفتح سيكون بعد مماته ، وهذاما كان . ثم أشار الى موضوعنا الذي نحن بصدده من أن أهل الشام أو بيتالمقدس بمجموعهم "مرابطون" !! والسؤال الذي يعرض لنا على الفور : لم تسمُوا بالمرابطين .. بينماالرباط يكون في الثغر وعلى الحدود مع الاعداء ؟إلا أن تكون الشام وسواحلها وبيت المقدس بمثابة "الحدود" بين المسلمينوأعدائهم على مرَ الزمن وإلى يوم القيامة ..وإذا تفحصنا التاريخ وقلبنا صفحات الأمم وتجاوزنا غابرالأمم ، لوجدناالآتي : غزا التتارُ المسلمين في بغداد .. لكن مقاضاتهم كانت في شمال بيتالمقدس في "عين جالوت". وغزا الصليبيون مصر والشام .. فكانت مقاضاتهم فيشمال بيت المقدس في " حطين" . وغزا نابليون أكثر الدول ، وكذلك مصروالشام .. فكانت مقاضاته في "عكا". وغزت بريطانيا العرب وسلمت الصهيونيينفلسطين .. ولا نرى مقاضاتهم إلا في بيت المقدس وأكنافها ، استشرافاًللآية الكريمة (فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءو وجوهكم وليدخلوا المسجد كمادخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا) . وسيغزو الدجال البلاد ..وسيقاضيه المسيح عيسى بن مريم - عليه السلام - في غرب القدس في "اللد" .وسيغزو قومُ يأجوج ومأجوج البلاد .. وستكون مقاضاتهم في بيت المقدسوأكنافها ، كما جاء في الخبر الصحيح . أرأيت أخي .. كيف كانت وستظل بيت المقدس حدوداً تجري على ساحاتهاحرب الأعداء ومقاضاتهم على مرَ العصور. وإذا كان هذا حالها .. أليس بحريبالذي يسكنها وهي الحدود .. أن يسمى مرابطاً ؟ ولو كان الذي يسكنها شعباًبأكمله .. رجالهم ونساؤهم وإماؤهم .. مرابطون ! وإذا كان الأمر كذلك ..وبيت المقدس "حدوداً "، كانت ولا تزال وستبقى الى أن يُقاضى يأجوجومأجوج .. فلا عجب إذن أن أعفيت بيت المقدس من القيام بدور" العاصمة " ،إذ لا ينبغي أن تقام العاصمة على الحدود .. وأُسند لها بدلاً من ذلك دور"القضاء والمحكمة " ، وهل تعَير مدينة بهذا الدور المهيب ؟ .. ولا بأس بعدذلك لو مكث المتهم في أرض المحكمة سبعين سنة وثمانين ، الى أن يقضى فيأمره .. فإن الواحد من الناس ، ترفع ضده القضية فتدوم سنين وسنين ! فمن يا ترى المسجون فينا ؟ من ينتظر حكم القضاء فيه ولوتزيا باللباسالعسكري ؟ أم من تراه مكبلاً بالأصفاد .. منتظراً محتسباً .. موقناًبعدالة القضاء ؟!


ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق