بالرغم من مضي بضعة سنين على الرحلة الجميلة التي قمت بها إلى الحبيبة مصر لازال بعض الإخوة والأخوات من مختلف الديار العربية والأوربية يلحون على اعادة نشري وقائعها على حلقات . ونزولا لرغبتهم الكريمة هذه فها أنذا فاعل انشاء الله . وشكرا للجميع
وتطغى الرغبة فتتحقق الأمنية وأجد نفسي حيال أروع ما بناه الفراعنة منذ ألاف السنين ، وعلى بعد أمتار يتعالى الرأس الشهير لأبي الهول في شموخ الأزمنة البائدة ، يصارع آهات العابرين في خطوات مثقلة بالإعجاب لهذه البقعة الرهيبة ، يتمتمون بكلمات .. أكبر منها الإحساس بعظمة اللحظة / اللقاء . فيتوه الفكر فيما لا نهاية له إلا هذا الواقع والغبار يتطاير بين حوافر خيول يجمع الماسكون بها لقمة العيش لا أرى حقا ما السر في هذا التجاوب المحير ، والتعاطف البريء ، بين جموع البشر وهذه الحجارة الناطقة رغم صمتها الدفين بألف حكاية ، عن ألف أسطورة ، عن ألف صورة ، عن ألف بصمة متروكة في حجم البقعة .. حيث مر " خوفو " متباهيا بصنيع قومه ، ومعجبا بشخصه ، ومزهوا بما ظن أنه إكسير يخلد حياته رغم الرحيل وأي انبهار ممزوج بالحسرة لمجرد إطلالة قصيرة على مساحة اختيرت لتبقى على حالها مهما تعاقبت السنون وتواصلت الأجيال ؟ . فالدنيا مليئة بالمفاتن، لكنها مصر، العروس الأكثر فتنة، يذوب الوجدان كلما رمقها البصر عن حسن نية، و امتدت الأحاسيس للارتواء من عطر أيامها، لكتها مصر، قافية قصيد الحب والرجاء، وترنيمة العشق والضياء، لكنها مصر المفاخر مذ كانت طفلة، ومصر الأمجاد مذ كانت صبية، ومصر العزة وقد أصبحت بمآثرها للمعمور أغنية
مصطفى منبغ
مصطفى منبغ
كبرت في وجداني محبة مصر مذ كنت طفلا ألهو بين حارات مدينة القصر الكبير . وحينما أتذكر تلك الأيام الخوالي يحلو لي تبيان ما اختزنته ذاكرتي من صور لطيفة عن هذا البلد . استرجعها الآونة فأشعر بالمتعة والسعادة . حينما كنا " شلة " من الأصدقاء جمعتنا المدرسة الأهلية الحسنية لتحصيل دروس التاريخ والجغرافية .. فلم نستوعب أحسن وأزيد من استيعابنا لجغرافية مصر ، وجزء بسيط جدا من تاريخها العظيم نتسامر به ونفخر بين أزقة المدينة العتيقة بمعرفتنا موقع مصر على الخريطة .. حيث تأتينا تلك الأفلام التي طالما " انضربنا " ونحن نلتمس الأعذار من تسربنا لمشاهدتها في دار سينما " بيريس غالدوس " ( ساحة السويقة الآن ) التي كانت تزدحم بعشاق محمد عبد الوهاب ، للتفرج عليه وهو يشدو بأحلى الأغاني في فلمي " يوم سعيد" و " الوردة البيضاء " وغيرهما . فلا نكترث بالضرب حينما تجمعنا بيوت أهالينا في المساء . فالآباء حريصون في ذلك على متابعة أطفالهم الدراسة والتحصيل بدل الانشغال بصور لا طائل من تتبع حركاتها. كنا نتحمل العناء ، والتعب ، وعذاب الضرب من أجل سماع صوت مصر ونحن أطفال ، كما كنا نتلقى العلم عن مؤلفات مصرية، وبين هذا وتلك، نسمع المذياع واللهجة المصرية تنساب منه.. تحكي لعقولنا الصغيرة ، آنذاك ، ما جعل الوجدان فينا يتطلع ليوم آت تتحقق فيه الأمنية ونزور تلك الأرض الطيبة ونشبع أعيننا من رؤية جمالها الساحر الذي طالما تلألأ في مآقينا أحلاما وردية صعبة الوصف . ولا أعتقد أن مدينة مغربية أحبت مصر أكثر من " القصر الكبير " . ومن ينتسب إليها لابد وقد جاهد الظروف وبعد المسافة من أجل الالتحاق بها ليحيا لحظة الانبهار المرسومة في ذهنه مباشرة دون خيال يحجز الواقع في قفص المستحيلات، ولكنها اللهفة لاحتضان عشيقة رسم ملامحها بأحاسيسه كلها، فعاش العمر يترقب اللقاء بها. شعور غريب يربط الإنسان بماضيه ، بطفولته ، يعيده لوعي غمر فكره أثناء عهده الأول بالحياة وهو يسير تتقاذفه تصورات ومواقف يتخيل نفسه داخلها وهو يردد نفس الكلمات بلحن يسكن دواخله في صمت، لا يكاد يجهر به ، حتى يرتاح من غليان شغل صدره بما يجيش فيه من لوعة. وبئس الغليان في عقلية الآباء .. إن كان مقطعا من " أحب عشة الحرية "كانت القصر الكبير حبلى بمعطاءات فلذات كبدها من مختلف الأعمار. لم يستطع الاستعمار الإسباني محو معالم ارتباطهم بعروبتهم بما حفظوه من أشعار حافظ إبراهيم ، وأحمد شوقي وغيرهما كثير . وبما تغنوا به من ألحان سيد درويش ، ومحمد عبد الوهاب وغيرهما كثير . وبما درسوه عن مصطفى لطفي المنفلوطي ، وطه حسين وغيرهما كثير . كانت الأشعار تتوافد على المدينة بعشرات القصائد ، أما الأغاني فما هدأت الساحات من صدى ألسنة الناس وهي تردد الجديد منها على امتداد النهار . أما الكتب فكانت تنتقل من يد إلى أخرى في حنان واحترام مما جعلها مطمح كل بيت فيه تلميذ يريد شق طريق المجد والارتواء من منهل العرفان الصافي . فكيف سيكون مآل مدينة كهذه عاشت مصر في وجدان أهاليها مصانة الجانب معززة المقام قصيدة شعرية ، وزجل مغنى ، وأدب مقروء ..؟ إلا الاعتزاز بمصر كبلد عربي أصيل ، تعلموا منه فضيلة التضحية ، وجمال الإخلاص للوطن ، ومكانة التعلق بالحرية . لذا لم يكن غريبا علي هذا الذي شرحته ـ قدر المستطاع ـ وأنا أطل من نافذة الطائرة المحلقة على ارتفاع منخفض فوق سماء القاهرة " قاهرة" الأربعة عشرة مليونا.. " قاهرة " النيل الخالد.. " قاهرة " السبعة ألاف سنة عرفتها مصر حضارة وتراثا إنسانيا سيبقى مشرق المعالم ما بقيت الحياة.." "قاهرة "هؤلاء الأساتذة الأجلاء الذين تتلمذت على أيديهم سواء داخل ثانوية " المحمدي" بالقصر الكبير، أو البوليتكنيك" في تطوان ، أو" المعهد العالي للعلوم الاجتماعية" الذي كان تابعا آنذاك لجامعة محمد الخامس بالرباط العاصمة .. " قاهرة " العباقرة الذين عرفتهم الساحة العالمية قدوة للفكر المبدع الخلاق في جل الميادين .. " قاهرة " العبور من أجل استرجاع كرامة العرب في حرب أكتوبر المجيدة .." قاهرة " الأزهر الشريف الذي ما مرت لحظة وجيزة إلا وكان جهاده أقوى لنصرة قضايا الإسلام والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ، وما مر يوم إلا وزود عقل المؤمن ولبه بما يقيه من شرور الأنفس الضعيفة ومنحه القوة العلمية ليغدو معلمة فكرية منيرة تضيء مسيرة الناس نحو الصلاح والفلاحما أن فتح باب الطائرة حتى تسرب هواء مصر الممزوج بطين النيل يملأ الصدور العاشقة عبر السنين هذا المنهل الطيب وكأنه يرحب في " خفة دم " بالزائرين القادمين إلى أرض الكنانة لمعايشة تلك الأيام التي ما خلى كتاب عبر العالم إلا ومنحلها من التقدير ما جعل منها منارة تطال القارات الخمس وهي تشحن العقول بمعنى النضال الحق من أجل إثبات الكرامة ، وصيانة الشخصية الذاتية من شوائب الانكسار . كنت ساعتها الوحيد من مدينة القصر الكبير المغربية أحمل بين جوانحي أسماء العشرات من أصدقاء الطفولة نشرتها مع ذبذبات الصوت على أرضية مطار القاهرة الجوي ، الذي أحال الليل بيني والتمعن الكافي في محاسن بتاءاته المهيكلة . المهم إنها لحظات والحافلة تفتح لنا الباب لتوصلنا في سلام وأمن و طمأنينة إلى مدخل القاعة المهيأة للإجراءات القانونية التي تسمح للزوار بموجبها الولوج رسميا إلى أرض جمهورية مصر العربية . لم تأخذ تلك الإجراءات الأمنية وقتا يذكر ، بالعكس .. ذهلت من السرعة التي انتهت إليه الأمور ليفسح لنا ضابط الأمن الطريق لنعانق " القاهرة " كما نشاء ونرضى . وللحقيقة الثابتة ، إنني كلما قدمت جواز سفري بطلب من رجل أمن أو جمركي إلا وسمعت منهم مدحا صادقا لوطني المغرب ، وحديثا طيبا عن أهل المغرب . فما زادني ذلك إلا حبا والتصاقا بمصر وشعب مصر الطيب الكريم المضياف . كانت الساعة تقارب الثانية بعد منتصف الليل حينما أخذت تاكسي من فتدق " ميناهاوس " متوجها إلى مدينة " القناطر الخيرية " . ظل سائق التاكسي الشاب ساكتا ، وكأنه قرأ من ملامحي أنني غريب ، فما استطاع أن يسأل ، حفاظا على راحتي حتى في الكلام ، إلى أن وصلنا مكانا فهمت بتواجد العساكر فيه أنه حاجز للتفتيش. إبان ذلك طلب مني السائق أن أمده بجواز سفري ليقدمه بدوره إلى العسكري الذي دنى مني وبأدب جم خاطبني : ـ الأخ من المغرب ؟ . ـ نعم . ـ أهلا بك في مصر معززا مكرما . وهنا توجه بالكلام إلى سائق التاكسي وخاطبه قائلا :
" أوعه تكسفنا مع الرجل .. وديه للحته اللي هو عوزها .. فاهم
. أجابه السائق وكله انتباه :
حاضر يا فندم .. إطمئن يا به .. من عني الإثنين يا باشا ... مع السلامة
" أوعه تكسفنا مع الرجل .. وديه للحته اللي هو عوزها .. فاهم
. أجابه السائق وكله انتباه :
حاضر يا فندم .. إطمئن يا به .. من عني الإثنين يا باشا ... مع السلامة

الصورة : المهندس عبد الحميد توفيق نصار رئيس مركز ومدينة القناطر الخيرية المصرية يسلم مصطفى منيغ ميدالية القناطر الذهبية عربوب محبته لهذه المدينة المصرية العريقة
وصلتا إلى مدينة"القناطر الخيرية" والساعة تشير إلى الثالثة بعد منتصف الليل. الكل هنا هادئ ، الناس في منازلهم ( في أعز نومة ) الشوارع خالية من المارة ،حتى العربات لا أثر لمرورها بما تحدثه من أصوات عادة سألت سائق التاكسي الذهاب بي إلى أي فندق ، لكنني اندهشت حينما أخبرني أن "القناطر الخيرية" خالية من الفنادق. فماذا أفعل ؟ . لم أفكر طويلا بل طلبت منه التوجه بي إلى مقر المركز وهناك سأتدبر أموري. بالفعل أوصلني إلى بناية مطلة على الطريق الرئيسي ذات الواجهة الهندسية الجميلة، والباب الزجاجي الكبير، فولجت من الخلف، وفي تلك اللحظة انبرى عسكري المطافئ مصوبا فوهة بندقيته إلى صدري صائحا :
قف مكانك .. من تكن ؟؟ ..
قالها والعجب الممزوج بالغضب قد حول سحنته السمراء إلى جمرة حمراء ، فتيقنت أن العسكري لا يمزح ، وأن أصبعه مثبت على الزناد ، ولا مناص لي من الوقوف بلا حراك. لكن الله سبحانه وتعالى أنزل لطفه بنا تلك اللحظة وفهم العسكري أنني ضيف مغربي على " القناطر الخيرية" ، وأن ما أحمله في الحقيبتين هندام لي لا أقل ولا أكثر . فأشار علي بالتوجه إلى الناحية الأخرى للبناية ، وسيفتح الحارس الباب لي لأستفسر عما أريد . صفقت بحرارة لهذا العسكري واسمه : علي عبد المقصود من المطافئ .. صفقت لهذا الحارس الأمين الذي ما داعب الكرى جفنيه ولا إغراء دفء الفراش عن القيام بواجبه ، وما أوقفه عليل الليلة المنعش عن حذر ألتزم به حفاظا على أمن المكان المكلف بالدفاع عنه وبسط الشعور بالأمن حوله . وهنا تيقنت أن العسكري المصري في مستوى المسؤولية ، وأن مصر مصاته بجفون أبنائها البررة ونبضات أفئدتهم وقوة سواعدهمفتح الباب الزجاجي فانبرى رجل مرتديا جلبابا مصريا تقليديا تعلو قسمات محياه علامات التعجب .. لكنها لحظات قصيرة ليتخذ التعجب شكل ترحيب أساسه طيبوبة قلوب المصريين وسماحة خاطرهم وشيمهم الرفيعة المستمدة من الشريعة الإسلامية السمحة ، فامتدت يد الرجل تصافحني بحرارة ، وبدون أن يسأل عما أكون أخذ بيده الأخرى إحدى الحقيبتين .. وبالتحديد أكبرهما ، جاذبا إياي في لطف نحو الداخل مقدما إلي فراشه حتى أستريح من عناء السفر . ومن الأمانة القول ، أن صاحب التاكسي لم يبح المكان حتى اطمأن أنني الآن بين أيادي أمينة وأنني لم أعد في حاجة إلى خدماته ، فكان بحق نعم المرافق ونعم القائم بواجبه . الرجل الذي خصني بكرمه وتنازل لصالحي عن فراشه لأنام في سلام.. يطلق عليه في مصر " عامل السويتش " وعندنا في المغرب ، المكلف بمراقبة الهاتف وإيصال المكالمات حسب اتجاهاتها لهذا المسؤول أو ذاك ، وتلقى الإشارات والتعليمات أثناء أداء عمله الليلي . الرجل اسمه السيد شعبان عبد الغفار، وللحقيقة أسجل هنا ، أن هذا الرجل جعلني لا أندم عن محبتي لمصر، بل جعلني أغوص إلى جوهر هذا الارتباط الروحي الذي يجمعني والإنسان المصري أينما كان وكيفما كان .. لأتعلم وأفيد ، وقد خرجت حمدا لله بما يرسخ ما تمسكت به طوال حياتي من خيط رفيع لكنه قوي لأنه شريف ونظيف يجمعني وهذا الشعب المصري الأصيل الطيب الشجاع المقدام الوفي المجاهد المؤمن بالله اسمي ما يكون الأيمان المحب للخير لم أقدر على البقاء في تلك الغرفة .. كان الشوق لمعانقة مصر أقوى من النوم وأشد من الانزواء للراحة. فخرجت . لا أدري إلى أين ؟ .. لكنني مشيت فوق أول طريق واجهني بمحاذاة النيل العظيم.. حيث بساط صبغه القمر من ضيائه المنعكس في تناغم على لجين الماء .. وحيث خرير المياه تموجات تتصاعد صوتا " حنينا" .. تترجم تلاحم مياه حلوة بتربة طيبة خلق كل منهما للآخر لتكون الحياة وتبقى نضرة يانعة تطفو بهالة من الجمال الفاضل على سطح مصر وتزرع جذورها في جوهر نفس البلد لضمان استمرارية العطاء في مستوى مسؤولية مصر وموقعها لحكمة مقدرة لا يعلمها إلا الباري جل وعلا .. وما أنبلها وأكرمها و أطيبها من حكمة
ومع بزوغ خيوط الفجر الأول وجدت نفسي وسط ساحة بدأت الحركة تدب فيها رويدا رويدا إلى أن وصلت الذروة . وكان هذا أول لقاء مباشر لي مع الشعب المصري ، والحياة المصرية على الطبيعة وبعيدا عن شاشة التلفاز ، حيث المسلسلات تتفاوت في نقل حقيقة الشارع المصري . جلست على مقهى تقدم " الشيشة " لأحتسي كوبا من الشاي التقليدي المصري ولأتفرج في إنبهار وإعجاب على آلة حديدية يصدر منها هدير .. تدور بمادة أو " عجين" أخضر اللون بداخلها دورات مسرعة تتخذ معها تلك العجينة شكلا لزجا بعض الشيء . وبجانب الآلة امرأة منهمكة في إعداد وعرض " رغيف العيش " وتنظيف بعض الصحوين المختلفة الأحجام و الألوان ، تظهر بين الحين والآخر عن أطعمة مهيأة من قبل أبرزها " الفول المدمس " / وفجأة تتجه نحو الآلة لتوقفها وتخرج منها العجينة الخضراء وتعالجها باليد مانحة لها شكل أقراص في حجم وسط كف اليد ثم تضعها في مقلي لتنتهي في طبق العرض صفراء بعض الشيء يقتنيها الزبون بخمسة وعشرين قرشا ليزدردها في لذة . وقد علمت ، فيما بعد أن الأمر يتعلق بقرص " الطعمية " ، الأكلة الشعبية الثانية بعد الفول المدمس في مصرعدت إلى المركز أو بالتحديد إلى مقر الوحدة المحلية لمركز ومدينة القناطر الخيرية . لأجد هناك مجموعة من السادة المسؤولين في انتظاري لتبدأ الزيارة التي تركت الأثر الحميد المحمود في نفسي ، والتي جعلتني أنا المغربي والمصري إنسان واحد تجمعنا الروح الإسلامية السمحة ، والقيم الرفيعة ، والأعراف النبيلة ، والغيرة الوطنية ، والشهامة العربية وبكل مقومات الرجولة والشجاعة . وجدت هناك الأستاذ احمد عبد المومن بحيري ، مدير مكتب رئيس المركز ، الذي لم يترك مشروبا واحدا دون أن يعرضه علي ، بل أقسم أن أتناول وجبة إفطار كاملة داخل مكتبه ، وهو كرم لطيف منه . فلم يكن علي إلا الانصياع ولساني عاجز عن شكره . بعد ذلك تعرفت على الأساتذة : سيد عامر ، مدير إدارة التخطيط ، وشاكر هيكل ، مدير إدارة السياحة ، وجميلة أحمد موسى ، سكرتيرة رئيس المركز ، وصادق حسين صادق من مكتب رئيس المركز ، وأخيرا أخي وزميلي العزيز محمد سعيد أبو زيد ، الذي مهما شكرته لن أوفيه حقه ، فالرجل نسخة طبق الأصل للمصري الذكي المتعلم ، المتواضع في قوة ، المستحيي عن إيمان ، الصابر عن مبدأ ، المبتسم عن طيبوبة قلب، المتجهم عن قناعة ، المتزن عن دبلوماسية ، الصائب في الاختيار عن دراية شديدة العمق ، الإنسان بكل الأحاسيس والتطلعات والطموحات والعواطف وبالتالي بالعقل المشحون بالجدية في تصريف الأمور وتدبير المسؤولية التي يتحملها عن جدارة واستحقاق .
قف مكانك .. من تكن ؟؟ ..
قالها والعجب الممزوج بالغضب قد حول سحنته السمراء إلى جمرة حمراء ، فتيقنت أن العسكري لا يمزح ، وأن أصبعه مثبت على الزناد ، ولا مناص لي من الوقوف بلا حراك. لكن الله سبحانه وتعالى أنزل لطفه بنا تلك اللحظة وفهم العسكري أنني ضيف مغربي على " القناطر الخيرية" ، وأن ما أحمله في الحقيبتين هندام لي لا أقل ولا أكثر . فأشار علي بالتوجه إلى الناحية الأخرى للبناية ، وسيفتح الحارس الباب لي لأستفسر عما أريد . صفقت بحرارة لهذا العسكري واسمه : علي عبد المقصود من المطافئ .. صفقت لهذا الحارس الأمين الذي ما داعب الكرى جفنيه ولا إغراء دفء الفراش عن القيام بواجبه ، وما أوقفه عليل الليلة المنعش عن حذر ألتزم به حفاظا على أمن المكان المكلف بالدفاع عنه وبسط الشعور بالأمن حوله . وهنا تيقنت أن العسكري المصري في مستوى المسؤولية ، وأن مصر مصاته بجفون أبنائها البررة ونبضات أفئدتهم وقوة سواعدهمفتح الباب الزجاجي فانبرى رجل مرتديا جلبابا مصريا تقليديا تعلو قسمات محياه علامات التعجب .. لكنها لحظات قصيرة ليتخذ التعجب شكل ترحيب أساسه طيبوبة قلوب المصريين وسماحة خاطرهم وشيمهم الرفيعة المستمدة من الشريعة الإسلامية السمحة ، فامتدت يد الرجل تصافحني بحرارة ، وبدون أن يسأل عما أكون أخذ بيده الأخرى إحدى الحقيبتين .. وبالتحديد أكبرهما ، جاذبا إياي في لطف نحو الداخل مقدما إلي فراشه حتى أستريح من عناء السفر . ومن الأمانة القول ، أن صاحب التاكسي لم يبح المكان حتى اطمأن أنني الآن بين أيادي أمينة وأنني لم أعد في حاجة إلى خدماته ، فكان بحق نعم المرافق ونعم القائم بواجبه . الرجل الذي خصني بكرمه وتنازل لصالحي عن فراشه لأنام في سلام.. يطلق عليه في مصر " عامل السويتش " وعندنا في المغرب ، المكلف بمراقبة الهاتف وإيصال المكالمات حسب اتجاهاتها لهذا المسؤول أو ذاك ، وتلقى الإشارات والتعليمات أثناء أداء عمله الليلي . الرجل اسمه السيد شعبان عبد الغفار، وللحقيقة أسجل هنا ، أن هذا الرجل جعلني لا أندم عن محبتي لمصر، بل جعلني أغوص إلى جوهر هذا الارتباط الروحي الذي يجمعني والإنسان المصري أينما كان وكيفما كان .. لأتعلم وأفيد ، وقد خرجت حمدا لله بما يرسخ ما تمسكت به طوال حياتي من خيط رفيع لكنه قوي لأنه شريف ونظيف يجمعني وهذا الشعب المصري الأصيل الطيب الشجاع المقدام الوفي المجاهد المؤمن بالله اسمي ما يكون الأيمان المحب للخير لم أقدر على البقاء في تلك الغرفة .. كان الشوق لمعانقة مصر أقوى من النوم وأشد من الانزواء للراحة. فخرجت . لا أدري إلى أين ؟ .. لكنني مشيت فوق أول طريق واجهني بمحاذاة النيل العظيم.. حيث بساط صبغه القمر من ضيائه المنعكس في تناغم على لجين الماء .. وحيث خرير المياه تموجات تتصاعد صوتا " حنينا" .. تترجم تلاحم مياه حلوة بتربة طيبة خلق كل منهما للآخر لتكون الحياة وتبقى نضرة يانعة تطفو بهالة من الجمال الفاضل على سطح مصر وتزرع جذورها في جوهر نفس البلد لضمان استمرارية العطاء في مستوى مسؤولية مصر وموقعها لحكمة مقدرة لا يعلمها إلا الباري جل وعلا .. وما أنبلها وأكرمها و أطيبها من حكمة
ومع بزوغ خيوط الفجر الأول وجدت نفسي وسط ساحة بدأت الحركة تدب فيها رويدا رويدا إلى أن وصلت الذروة . وكان هذا أول لقاء مباشر لي مع الشعب المصري ، والحياة المصرية على الطبيعة وبعيدا عن شاشة التلفاز ، حيث المسلسلات تتفاوت في نقل حقيقة الشارع المصري . جلست على مقهى تقدم " الشيشة " لأحتسي كوبا من الشاي التقليدي المصري ولأتفرج في إنبهار وإعجاب على آلة حديدية يصدر منها هدير .. تدور بمادة أو " عجين" أخضر اللون بداخلها دورات مسرعة تتخذ معها تلك العجينة شكلا لزجا بعض الشيء . وبجانب الآلة امرأة منهمكة في إعداد وعرض " رغيف العيش " وتنظيف بعض الصحوين المختلفة الأحجام و الألوان ، تظهر بين الحين والآخر عن أطعمة مهيأة من قبل أبرزها " الفول المدمس " / وفجأة تتجه نحو الآلة لتوقفها وتخرج منها العجينة الخضراء وتعالجها باليد مانحة لها شكل أقراص في حجم وسط كف اليد ثم تضعها في مقلي لتنتهي في طبق العرض صفراء بعض الشيء يقتنيها الزبون بخمسة وعشرين قرشا ليزدردها في لذة . وقد علمت ، فيما بعد أن الأمر يتعلق بقرص " الطعمية " ، الأكلة الشعبية الثانية بعد الفول المدمس في مصرعدت إلى المركز أو بالتحديد إلى مقر الوحدة المحلية لمركز ومدينة القناطر الخيرية . لأجد هناك مجموعة من السادة المسؤولين في انتظاري لتبدأ الزيارة التي تركت الأثر الحميد المحمود في نفسي ، والتي جعلتني أنا المغربي والمصري إنسان واحد تجمعنا الروح الإسلامية السمحة ، والقيم الرفيعة ، والأعراف النبيلة ، والغيرة الوطنية ، والشهامة العربية وبكل مقومات الرجولة والشجاعة . وجدت هناك الأستاذ احمد عبد المومن بحيري ، مدير مكتب رئيس المركز ، الذي لم يترك مشروبا واحدا دون أن يعرضه علي ، بل أقسم أن أتناول وجبة إفطار كاملة داخل مكتبه ، وهو كرم لطيف منه . فلم يكن علي إلا الانصياع ولساني عاجز عن شكره . بعد ذلك تعرفت على الأساتذة : سيد عامر ، مدير إدارة التخطيط ، وشاكر هيكل ، مدير إدارة السياحة ، وجميلة أحمد موسى ، سكرتيرة رئيس المركز ، وصادق حسين صادق من مكتب رئيس المركز ، وأخيرا أخي وزميلي العزيز محمد سعيد أبو زيد ، الذي مهما شكرته لن أوفيه حقه ، فالرجل نسخة طبق الأصل للمصري الذكي المتعلم ، المتواضع في قوة ، المستحيي عن إيمان ، الصابر عن مبدأ ، المبتسم عن طيبوبة قلب، المتجهم عن قناعة ، المتزن عن دبلوماسية ، الصائب في الاختيار عن دراية شديدة العمق ، الإنسان بكل الأحاسيس والتطلعات والطموحات والعواطف وبالتالي بالعقل المشحون بالجدية في تصريف الأمور وتدبير المسؤولية التي يتحملها عن جدارة واستحقاق .
أما المهندس عبد الحميد توفيق نصار ، رئيس مركز ومدينة القناطر الخيرية فذاك مدرسة وللمدرسة حقوق الإسهاب في وصف أقسامها وما تحتضنه من مواهب ، وما تخفيه من تقنيات كفيلة بتحريك جموع من المتلقين حيث تريد ووقتما تريد. وأجيء الحديث عن هذه المدرسة لوقت لأحق من هذا التحقيق الصحفي غير العادي اصطحبني المهندس عبد الحميد به (هكذا يسمونه هنا ) لزيارة مدرسة تحتفل ببعض تلميذاتها الفائزات في مسابقات شتى على صعيد دولة مصر كلها . وكانت مناسبة طيبة للتعرف وعن كثب .. عن الأسلوب المتبع في المدارس المصرية ذات التخصص والبرامج والمناهج التعليمية عموما . وكانت الكلمات التي سمعتها عن المسؤولين عن هذه المؤسسة .. أن حقيقة النجاح الملحوظ فيها أساسه احترام الملقن لواجباته التربوية ، بالإضافة لمحبة هذا الملقن لمهنة التعليم التي اختارها وحولته إلى ضمير حي تقاس به درجة الغيرة الوطنية والحماس لتكوين جيل صالح قادر على مواجهة تحديات كل المراحل القادمة . وكم كنت سعيدا وأنا أتقبل باقة ورد مهداة إلي من الأستاذة الفاضلة فتحية محمد يوسف المليجي ، مديرة الإدارة التعليمية بالقناطر الخيرية باسم المدرسة إدارة وأطرا وتلميذات ، وكنت أسعد بالكلمات الطيبة التي فاه بها الأساتذة المحترمون في حقي كصحافي مغربي ، الشيء الذي حتم علي أن أتناول الكلمة بدوري لأرتجل ما نصه : " حبذا أن أواجه نفس الموقف المشرف في كل مؤسسة تعليمية على امتداد الدول العربية . وحبذا لو كان هذا الأسلوب التشجيعي مكرر من المحيط إلى الخليج . لا عجب أن نرى هذه المرحلة المتقدمة في المجال التعليمي المصري .. ذلك أن مصر قادرة على الابتكار لتكوين أجيال في مستوى المعركة المصيرية مع الحياة . من مصر تعلمنا ولا زلنا نتعلم . وسآخذ من هذه الشهادة التقديرية الممنوحة للتلميذة لميناء فهمي عبد الحميد عينة للمطالبة بتعميم هذه البادرة ، بحيث يوجه التلميذ أو التلميذة لتعلم أسس بعض الحرف الضرورية منذ الخطوات التعليمية الأولى .. بل وتخصيص حوافز تشجيعية لهم كالممنوحة الآن وفي مدرستكم هته للتلميذة لميناء في الفنون المسرحية . وشكرا لكم وتجدر الإشارة بالمناسبة أنه من بين الطلبة والطالبات الفائزين على مستوى جمهورية مصر العربية والحاصلين على شهادات تقدير وشهادات استثمار من وزارة التربية والتعليم نجد 1/ لميناء فهمي عبدا لحميد من مستوى الثالث ثانوي عن مدرسة التجارة بنات بالقناطر الخيرية .2/ سلوى إبراهيم عمر.. من مستوى الثالث ثانوي عن مدرسة التجارة بنات بالقناطر الخيرية . 3/ ميرفت علي محمود.. من مستوى الثالث ثانوي عن مدرسة التجارة بنات بالقناطر الخيرية . 4/ محمد طاهر عمر.. المستوى ثاني ثانوي عن المدرسة الثانوية بنين بالقناطر الخيرية .5/ عمر سعيد عقيقي .. المستوى الأول إعدادي من مدرسة خالد بن الوليد الإعدادية .6 علا محمد محمود المستوى الثاني ثانوي عن المدرسة الفنية الصناعية بالقناطر الخيرية .7/ محمد سلامة أحمد الثالث ثانوي عن مدرسة الصنائع بالقناطر الخيرية . 8 أعيد مصطفى أحمد.. الثالث ثانوي عن مدرسة الصنائع بالقناطر الخيرية . وقد فاز هؤلاء في التفوق المسرحي تحت إشراف الأساتذة : عبد الفتاح سعد الدين .. نجوى بوغلي .. ماهر الشيخ .. أنور عبد المنعم .. حمد عثمان


وهنا وجب التذكير بعبقرية الأشقاء الذين اختاروا هذا المكان بالذات ، حيث يمر الآفة الطلبة والطالبات ، ليجسدوا هذا العناق الحار بين مصر والمغرب ، عناق العلمين رمزي الشرف والوطنية في كلتا البلدين العربيين الشقيقين. وليس أفضل من عيون الناشئة وهي تتمعن في هذا المنظر المفعم بأغلى المعاني . بالمناسبة أدركت حقيقة أن القناطر الخيرية مخلصة في التزاماتها نحو التوأمة التي عقدتها ومدينة صفرو المغربية . وأنها قاطعة أشواطا متقدمة في هذا الموضوع . ومباشرة إلى " شاليهات " القناطر الخيرية ، وهي محطة سياحية قل نظيرها في العالم . حيث يقام مركب سياحي وسط الهواء الطلق في تناسق " هرموني " بين حداثة التشييد وجمال الطبيعة الخلاب ، بين نماذج من التراث الحضاري المصري القديم المجسد في تماثيل معدة بشكل أنيق الاستراحة المطلة مباشرة على النيل .. حيث تنطلق الزوارق الخاصة فى رحلة نيلية
شاعرية لا تضاهيها أية رحلة في أي مكان آخر . زوارق يقودها شبان مصريون يحفظون تاريخ بلدهم عن ظهر قلب ، فلا يكفيهم النطق باسم المكان بل يزيدون عليه درسا نموذجيا يغنيك استيعابه عن المزيد من الاستفسار. هناك جلست على الأرض فأحسست أنني أجلس على بساط مهما اخترع الإنسان من عطر لن يصل إلى تقليد العطر الطبيعي الفواح منها يغمر الصدر فيريحه من ضيق متاعب الحياة. هناك تذوقت الشاي الذي أعده خصيصا لي مغلي على حشائش المكان نفسه الرجل الطيب الكريم الحاج عبد السميع. وبجانبي جلس مرافقي العزيز عبد الله عبد الحافظ وكأننا نحن الثلاثة جمعنا لقاء في " الغيط " بعد عناء يوم قضيناه في زراعة أو جني القطن أنفرد بنفسي في بيت شيد على أعمدة كأنها ترفع ساكنيه ليطل على قدرة الخالق سبحانه وتعالى الذي أبدع هذا الجمال وخلق به من الروافد ما يبهر البصائر والأفئدة فيقربها إلى الامتزاج الأمتن بنقاوة الإيمان . في بيت كل ما فيه ينطق بالكرم المصري الذي أودعه الباري جل جلاله في صدور هؤلاء الناس ، فتصرفوا مع الغريب تسرف الأسرة مع أحد أفرادها .. بل مع أحبهم إلى الفؤاد . في بيت ما شعرت داخله ( إلا والنيل الملقى في عظمة بجانبه يبث في أذني حلاوة حكايات مع الحياة عبر ملايين السنين ) بالسعادة تغمرني ، وألفة المكان تنساب في خاطري لدرجة أنني ما شكوت صداع الوحدة ولا إرهاق ما نسميه بوضعية التحول من مكان إلى آخر مجهول لدينا . وكلما صحوت كان المؤنس صدى شحرور حط جنب نافذة حجرة النوم فوق غصن شجرة انحنى حتى يكاد يقبل لجين النيل في منظر لن أنساه أبدا . وأغيب في صحوتي مع هذا الجو الشاعري ولا يخرجني منه إلا صوت الرجل الطيب عبد الله عبد الهادي عبد الحافظ وهو يصيح خلف الباب
ـ إنت صحيت يابه ؟
ـ ايو يالسي عبد الله
ـ صباح الفل والهنا والإشطة .. إنت منور .. احضر لحضرتك الفطار ؟
ـ لو حبيت يالسي عبد اله
ـ من عني يا باشا
ولحظات وأجد فوق " السفرة « .. صينية مملوءة بما تشتهيه النفس من مأكولات هي من خيرات مصر. بيض " مسلوق " و " فول مدمس " و " خضر مخللة " و مربى.. و" زبدة " ورقائق من الخبز " العيش " وزيتون أسود وشاي . أصناف متعددة لوجبة صباحية لم أعهدها من قبل . ولا أدري كيف كنت أتناول كل تلك الأطعمة ؟.. ربما الأمر راجع للذة طعمها ، والأسلوب المرح المعدة به ، أو ربما للجو الهادئ الذي أحاطني به الإخوة الأشقاء .. أو ربما ـ وهذا هو الأرجح ـ خلاصة اللقاء بالحبيبة مصر
ـ إنت صحيت يابه ؟
ـ ايو يالسي عبد الله
ـ صباح الفل والهنا والإشطة .. إنت منور .. احضر لحضرتك الفطار ؟
ـ لو حبيت يالسي عبد اله
ـ من عني يا باشا
ولحظات وأجد فوق " السفرة « .. صينية مملوءة بما تشتهيه النفس من مأكولات هي من خيرات مصر. بيض " مسلوق " و " فول مدمس " و " خضر مخللة " و مربى.. و" زبدة " ورقائق من الخبز " العيش " وزيتون أسود وشاي . أصناف متعددة لوجبة صباحية لم أعهدها من قبل . ولا أدري كيف كنت أتناول كل تلك الأطعمة ؟.. ربما الأمر راجع للذة طعمها ، والأسلوب المرح المعدة به ، أو ربما للجو الهادئ الذي أحاطني به الإخوة الأشقاء .. أو ربما ـ وهذا هو الأرجح ـ خلاصة اللقاء بالحبيبة مصر

متحف الري بمدينة القناطر الخيرية
غير بعيد عن مقر إقامتي شيد أضخم متحف ري على مستوى جمهورية مصر العربية . والتجول بين أركانه ، والتمعن في محتوياته من نماذج مصغرة لكل ما يوجد فوق النيل من قناطر وحواجز وسدود ، يعد من أنفع الدروس وأكثرها وسيلة لمعرفة المجهودان التي بذلها الإنسان المصري ، منذ تواجده على هذه الأرض ، لاستغلال مياه النهر لفائدة استمرار الحياة على ضفتيه . وما كان ذاك الدرس أن يطرق الذاكرة فيلجها ويتربع وسطها لولا كفاءة هؤلاء الأساتذة المكلفين بالمتحف والمسؤولين عن إيصال محتوياته في إطار شروحات مبسطة لكنها مسهبة وكافية لعشرات الزوار الوافدين على المتحف يوما . تعلق الأمر بالتلاميذ أو الطلبة المصريين أو الزوار المهتمين من مختلف بقاع المعمور . لقد استقبلني مدير المتحف بكل حفاوة وأدخلني مكتبه لتسجيل حوار سأنشره لاحقا وبالكامل ، وإنها التفاتة كريمة من سيادته تنم عن أخلاق عالية واحترام عميق للمغرب والمغاربة . وكنت من القلائل الذين استمعوا في جلسة ضمتنا نحن الثلاثة العبد لله ومدير المتحف ومرافقي الرسمي الأستاذ محمد سعيد أبو زيد ، بعرض خاص ، داخل قاعة مبنية على شاكلة مدرج جامعي ، لقصة سريان النيل ومن عايش ذلك من إقامة حضارات متنوعة موغلة في القدم على ضفتيه .. من نبعه إلى مصبه في البحر الأبيض المتوسط ، بالصوت والصورة . كان العرض حقا في مستوى قدرة المؤرخ المصري والفنان المصري والتقني المصري على الإبداع والإتقان . ولقد أغناني العرض عن كل المراجع التي كنت في حاجة إليها لأكون فكرة عن الموضوع . وخرجت بانطباع أن الباحث على معرفة مصر يجب عليه المرور من هذا المتحف لأنه تجسيد مصغر لكل تاريخ مصر
غير بعيد عن مقر إقامتي شيد أضخم متحف ري على مستوى جمهورية مصر العربية . والتجول بين أركانه ، والتمعن في محتوياته من نماذج مصغرة لكل ما يوجد فوق النيل من قناطر وحواجز وسدود ، يعد من أنفع الدروس وأكثرها وسيلة لمعرفة المجهودان التي بذلها الإنسان المصري ، منذ تواجده على هذه الأرض ، لاستغلال مياه النهر لفائدة استمرار الحياة على ضفتيه . وما كان ذاك الدرس أن يطرق الذاكرة فيلجها ويتربع وسطها لولا كفاءة هؤلاء الأساتذة المكلفين بالمتحف والمسؤولين عن إيصال محتوياته في إطار شروحات مبسطة لكنها مسهبة وكافية لعشرات الزوار الوافدين على المتحف يوما . تعلق الأمر بالتلاميذ أو الطلبة المصريين أو الزوار المهتمين من مختلف بقاع المعمور . لقد استقبلني مدير المتحف بكل حفاوة وأدخلني مكتبه لتسجيل حوار سأنشره لاحقا وبالكامل ، وإنها التفاتة كريمة من سيادته تنم عن أخلاق عالية واحترام عميق للمغرب والمغاربة . وكنت من القلائل الذين استمعوا في جلسة ضمتنا نحن الثلاثة العبد لله ومدير المتحف ومرافقي الرسمي الأستاذ محمد سعيد أبو زيد ، بعرض خاص ، داخل قاعة مبنية على شاكلة مدرج جامعي ، لقصة سريان النيل ومن عايش ذلك من إقامة حضارات متنوعة موغلة في القدم على ضفتيه .. من نبعه إلى مصبه في البحر الأبيض المتوسط ، بالصوت والصورة . كان العرض حقا في مستوى قدرة المؤرخ المصري والفنان المصري والتقني المصري على الإبداع والإتقان . ولقد أغناني العرض عن كل المراجع التي كنت في حاجة إليها لأكون فكرة عن الموضوع . وخرجت بانطباع أن الباحث على معرفة مصر يجب عليه المرور من هذا المتحف لأنه تجسيد مصغر لكل تاريخ مصر
يتبــــــــــــــــــــــــع


ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق